أكادير: البقالة في مواجهة “كوباك”.. هل ينهار تحالف دام عقودًا؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

تعيش التعاونية الفلاحية “كوباك“، بتارودانت، أحد أعمدة صناعة الحليب ومشتقاته في المغرب، على وقع أزمة متصاعدة مع تجار البقالة الذين أعلنوا مقاطعة منتجاتها بأكادير ونواحيها.

هذه الأزمة، وإن بدت في ظاهرها مرتبطة بالتوزيع التجاري، إلا أنها تكشف في العمق خللًا بنيويًا في المنهجية التدبيرية للتعاونية، التي باتت تضع أولويات الأسواق الكبرى فوق اعتباراتها التاريخية مع فئة “مول الحانوت”، التي شكلت لعقود رافعة انتشارها الحقيقي في النسيج المجتمعي المغربي.

– ولاء البقالة.. رأس مال اجتماعي مهدور

منذ تسعينيات القرن الماضي، كانت دكاكين البقالة حجر الزاوية في استراتيجية “كوباك”، إذ بفضل انتشارها في كل الأحياء والأسواق الشعبية، استطاعت منتجاتها أن تصل إلى ملايين المستهلكين يوميًا، متفوقة على منافسين كبار. ولأزيد من عقدين، ظل البقال وفيا للتعاونية، حتى في فترات المنافسة الشرسة مع علامات عالمية ووطنية أخرى. لكن هذا الولاء اليوم يبدو مهددًا بالتآكل، بعدما اختارت التعاونية نهج توزيع “تمييزية” يفضل الأسواق الكبرى والسلاسل التجارية، في وقت يُحرم فيه البقال من أبسط شروط المنافسة العادلة.

– سؤال السوق الوطني: هل تراهن “كوباك” على خيار خاسر؟

تقرير داخلي غير رسمي يشير إلى أن عدد محلات البقالة في المغرب يفوق 200 ألف محل، أي أنها تظل الفاعل الأكبر في التوزيع على الصعيد الوطني، مقابل حضور محدود للأسواق الممتازة والمتاجر الكبرى في بعض المدن. إن إقصاء هذه الكتلة من شبكة التوزيع ليس مجرد خطأ تجاري، بل هو مغامرة استراتيجية قد تنعكس سلبًا على حصة التعاونية في السوق، وتفتح الباب أمام منافسين آخرين لسد الفراغ.

الرهان على “الهايبر ماركت” والمتاجر الكبرى قد يبدو مغريًا من حيث حجم الطلبيات المركزية، لكنه يتجاهل الطبيعة السوسيولوجية للاستهلاك المغربي، حيث ما يزال المواطن يقتني يومياته من بقال الحي، لا من رفوف المراكز التجارية.

– أزمة أيت إيعزة.. التوسع على حساب البيئة

على صعيد آخر، يواجه إشعاع التعاونية تحديًا موازيا يتعلق بعلاقتها مع محيطها المحلي في أيت إيعزة، مسقط رأسها ومقر وحداتها الصناعية، فقد تصاعدت احتجاجات السكان بسبب ما يعتبرونه آثارًا بيئية ملوثة خلفتها أشغال التعاونية، من روائح ونفايات سائلة صادرة عن وحدات الإنتاج. هذه المواجهات المتكررة مع الساكنة، والتي رُفعت بشأنها شكايات متوالية إلى السلطات، تطرح سؤالًا حول مدى احترام التعاونية لمبدأ التنمية المستدامة ومسؤوليتها الاجتماعية تجاه فضاءها الأصلي.

– بين إرث تعاوني وهاجس السوق

في قراءة أشمل، يمكن القول إن “كوباك” انتقلت من نموذج تعاوني تضامني يراهن على القرب والثقة الاجتماعية، إلى عقلية شركة تسويقية تسعى لمجاراة منطق السوق المفتوح.
غير أن هذا التحول قد تكون كلفته غالية، إذ يهدد بقطع الجسور مع فئة البقالة، وإضعاف صورتها كفاعل محلي “قريب من المواطن”، لتتحول إلى مجرد رقم في منافسة شركات الألبان الكبرى.

إن التحدي الحقيقي أمام “كوباك” اليوم لا يكمن فقط في تحسين قنوات توزيعها أو تطوير منتجاتها، بل في استعادة الثقة مع البقالة التي مثلت سندها التاريخي، وفي معالجة إشكالياتها البيئية محليًا، حتى لا تفقد في آن واحد دعم المستهلك المغربي ورضى الساكنة القريبة.

فهل تعود التعاونية إلى جذورها الاجتماعية وتصحح مسارها التدبيري؟ أم أن سياسة “التمييز التجاري” ستدفع بها نحو فقدان إشعاعها الذي راكمته لعقود.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى