العطش يضرب الشمال.. الماء يروي “الكيف” ويُجفف الحناجر!

هبة بريس – الشاهد صابر متدرب صحفي

في قلب جبال الشمال المغربي الخضراء، حيث تحتضن شفشاون وتاونات ودياناً وشعاباً تزخر بمياه الأمطار الغزيرة في الشتاء، تتجلى اليوم صورة صادمة تتناقض مع كل هذا الجمال: صيف لاهب يُهدد حياة الآلاف من القرويين بالعطش القاتل. هي صرخات استغاثة ترتفع من دواوير مهملة، تناشد المسؤولين لإنقاذ أرواح أنهكها البحث المضني عن قطرة ماء في زمن الجفاف.

القصة هنا ليست مجرد قلة أمطار عابرة، بل هي حكاية تدبير خاطئ ومأساة إنسانية تتجاوز حدود الجفاف الطبيعي. فبينما يُهرول السكان، نساءً ورجالاً، صغاراً وكباراً، حاملين قنيناتهم الفارغة لساعات طويلة بحثاً عن نبع أو سقاية، تُسرق المياه بوقاحة من المنابع العذبة عبر أنابيب غير مرئية لتصب في حقول “الكيف” المترامية الأطراف. مشهد يختصر التناقض المرير: حياة البشر تجف، بينما ترتوي الزراعات غير القانونية على مرأى ومسمع الجميع.

لقد فاض الكيل بسكان تاونات وشفشاون. فالوعود تتهاوى مع كل صباح جديد، تاركة وراءها خيبات أمل تتراكم كجبال الحرمان.

الأهالي يتساءلون بغضب: كيف لإقليم مثل شفشاون، يتباهى بأعلى نسبة تساقطات مطرية في المغرب، أن يعيش هذا العطش القاتل؟ وكيف لتاونات، التي تضم أكبر عدد من السدود كـ”سد الوحدة” الشاسع، أن يُترك أبناؤها يعانون من شح الماء في فصل الصيف، بينما تذهب خيرات المياه لخدمة “استثمارات” لا يرون منها إلا السراب؟

إنها مفارقة مؤلمة: الماء المتوفر يُنهب، والمشاريع المائية تتعثر، وشاحنات الصهاريج التي يمكن أن تكون طوق نجاة لا تصل، أو تصل متأخرة. صيف آخر يحل، وسكان دواوير نائية يُتركون لمواجهة مصيرهم بين لهيب الشمس ومرارة العطش.

هي دعوة صريحة وعاجلة لضمير المسؤولين؛ ليس فقط لضخ المياه، بل لضخ العدالة، ومحاسبة ناهبي الثروة المائية، ووضع استراتيجية حقيقية لتدبير الماء تحترم الإنسان قبل كل شيء. فالحق في الماء ليس مجرد وعود، بل هو حق أصيل لا يمكن التهاون فيه، خصوصاً في بلد يواجه تحديات مناخية متزايدة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى