
القرض الفلاحي يعذب زبناءه.. مواطن ينتظر أشهرا لإنجاز خدمة لا تستغرق سوى ثواني
هبة بريس ـ الرباط
من المفترض أن تكون البنوك فضاءات تسهل حياة المواطنين، وتوفر لهم خدمات سريعة وفعالة في زمن الرقمنة والسرعة، لكن الواقع الذي يعيشه زبناء “القرض الفلاحي” في المغرب يعكس صورة قاتمة عن مؤسسة مصرفية كان ينظر إليها لعقود كذراع مالي مهم لدعم التنمية الفلاحية وخدمة ساكنة العالم القروي بالدرجة الأولى و عموم المواطنين و المقاولات كذلك.
اليوم، صارت هذه المؤسسة في قلب انتقادات لاذعة، بعدما تحولت من بنك يفترض أن يواكب حاجيات زبنائه إلى جهاز بيروقراطي يثقل كاهلهم بالإجراءات العقيمة والتأخير غير المبرر.
قصة الزبون “أحمد” التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تجسد بوضوح عمق الأزمة التي يعيشها البنك، هذا المواطن المغربي، زبون وفي للقرض الفلاحي منذ سنة 2011، تقدم بطلب بسيط لتحويل حسابه من مدينة إلى أخرى.
طلب يبدو في ظاهره عاديا و لا يتطلب سوى إجراء إداري قصير، يمكن القيام به في ثوان معدودات فقط عبر نقرات سريعة، خاصة في عصر البنوك الرقمية حيث تتم معظم المعاملات بكبسة زر، غير أن الواقع كان صادما، أكثر من شهرين ونصف من الانتظار، استوجبت منه القيام ب 13 رحلة إلى وكالات مختلفة، و عشرات المكالمات الهاتفية مع مصلحة الزبناء والرقم الأخضر، وفي النهاية لم يتحقق أي تقدم يذكر، العملية ظلت معلقة، والزبون ظل رهينة صمت الإدارة وتهاون موظفين لم يعيروا قيمة للزبون/الرقم.
و ما زاد الطين بلة أن المواطن حسب شكاية تتوفر هبة بريس على نسخة منها، و بالمناسبة هي الشكاية رقم 14 التي بعث بها لإدارة القرض الفلاحي دون أن يتم التفاعل معها، يؤكد أن تعليقاته التي ينشرها على صفحة البنك الرسمية، بغرض لفت الانتباه إلى معاناته، يتم مسحها بشكل يومي، وكأن البنك لا يملك الشجاعة للاعتراف بمشكلاته ولا الإرادة لإيجاد الحلول، بل يفضل سياسة إخفاء الغبار تحت السجادة على مواجهة الحقيقة، هذا السلوك يكشف عن أزمة أعمق من مجرد “تأخير إداري”، إنها أزمة في الحكامة، وفي أسلوب تدبير علاقة المؤسسة بزبنائها.
وليس أحمد وحده من يعيش هذه المعاناة، العديد من الشهادات التي تتداولها المنصات الرقمية والشكاوي التي يتوصل بها بريد و صفحات هبة بريس، تفضح واقعا مريرا يتكرر عبر مختلف الفروع، معاملات تتأخر لأسابيع وأشهر، ضعف في التنسيق بين الوكالات والمقرات المركزية، غياب تام لخدمات رقمية متطورة، وممارسات موظفين يطبعها التهاون والاستخفاف.
كل ذلك و ما خفي أعظم، جعل صورة القرض الفلاحي تهتز بقوة، ودفع عددا متزايدا من الزبناء إلى إغلاق حساباتهم والانتقال إلى بنوك أخرى أكثر جدية وانفتاحا على حاجيات عملائها و تفعل شعار “le client est un roi” و ليس مجرد رقم حساب فقط.
الأخطر في هذا التراجع أنه لا يخص فقط زبناء المدن، بل يطال أساسا سكان القرى والمناطق النائية، الذين يشكلون القاعدة الاجتماعية الأساسية للبنك، هؤلاء المواطنون الذين يفترض أن يجدوا في القرض الفلاحي مؤسسة ترافقهم في مشاريعهم وتسهل اندماجهم المالي، يجدون أنفسهم ضحايا لبيروقراطية قاتلة تعطل مصالحهم وتعرض مشاريعهم للفشل، وهكذا، بدل أن يكون البنك رافعة للتنمية الفلاحية والاجتماعية، صار في نظر الكثيرين عائقا إضافيا أمامها.
إن أزمة القرض الفلاحي اليوم ليست أزمة تقنية أو تنظيمية فقط، بل هي أزمة ثقة عميقة بين المؤسسة وزبنائها، الثقة التي تبنى عبر سنوات يمكن أن تنهار في لحظة حين يشعر الزبون بأنه مهان، أو غير مرئي بالنسبة لمؤسسة يفترض أنها وجدت لخدمته، الاعتذارات الباردة التي تقدم أحيانا عبر مراكز الاتصال من مستخدمين لا حول لهم و لا قوة لا تكفي، ومسح التعليقات لا يخفي الحقيقة، والصمت الإداري لا يعالج الخلل.
لقد أصبح من الواضح أن القرض الفلاحي في حاجة إلى مراجعة شاملة وجذرية لطريقة عمله، لا يكفي أن يقدم نفسه كفاعل تاريخي في خدمة الفلاحين والمجال القروي، بل عليه أن يواكب التحولات الكبرى في القطاع البنكي، حيث السرعة، الكفاءة، والرقمنة هي المعايير الأساسية للمنافسة، فالسوق المغربية اليوم تعج بمؤسسات مصرفية طموحة، تفتح فروعا حديثة وتستثمر في الحلول الرقمية وتمنح الزبون إحساسا بالثقة والاهتمام، وهو ما يدفع الكثير من العملاء الساخطين على القرض الفلاحي إلى الهجرة إليها بلا تردد.
إن استمرار إدارة القرض الفلاحي في تجاهل هذه التحولات، والاستخفاف بشكايات المواطنين، لن يقود إلا إلى مزيد من النزيف في قاعدة زبنائها، وإلى تآكل مكانتها التاريخية في القطاع البنكي المغربي، فالزبون المغربي تغير، وأصبح أكثر وعيا بحقوقه، وأكثر جرأة في فضح الاختلالات، ومن لا يفهم هذه الحقيقة، سيجد نفسه خارج اللعبة عاجلا أم آجلا.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X