تفكيك شبكات لتدوير المواد المسروقة داخل مصانع سرية ضواحي الدار البيضاء

هبة بريس -عبد اللطيف بركة

في واحدة من أبرز الضربات الأمنية الأخيرة، تمكنت السلطات الأمنية من كشف النقاب عن شبكات إجرامية متخصصة في إعادة تدوير مواد مسروقة داخل مصانع سرية، في عملية نوعية شهدتها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، تحديداً في منطقتي مولاي رشيد-سيدي عثمان والهراويين.

– مصانع خارج القانون… اقتصاد خفي قائم على السرقة

التحقيقات الأولية، التي أطلقتها المصالح الأمنية، أظهرت أن هذه المصانع لا تشتغل فقط في الخفاء بل تستند إلى بنية اقتصادية إجرامية ممنهجة، فهذه الورشات والمستودعات، التي تتخذ طابعاً صناعياً، تعتمد بشكل أساسي على شراء كميات ضخمة من المواد المسروقة أبرزها مواد مصنعة من البلاستيك أو المعادن بهدف إعادة تصنيعها وترويجها مجدداً في الأسواق، ما يحدث هنا ليس مجرد أنشطة خارج القانون، بل بناء اقتصاد موازٍ يتغذى على الجريمة وينخر جسد الاقتصاد الوطني.

– بداية التفكيك… تحرك أمني بعد شكاوى التجار

العملية انطلقت عقب توصل الأمن بشكايات متعددة من تجار الجملة، خاصة من سوق الخضر والفواكه بالدار البيضاء، حول تزايد سرقات الصناديق البلاستيكية. هذه الشكاوى قادت إلى سلسلة من المداهمات، مكنت عناصر الشرطة من حجز كميات ضخمة من الصناديق المسروقة كانت مخزنة في محيط أحد المصانع السرية، في انتظار معالجتها وإعادة تدويرها. الغريب في الأمر أن هذه الصناديق، التي لا تتعدى قيمتها السوقية عشرات الدراهم، أصبحت هدفاً مغرياً للعصابات بسبب سهولة تسويقها وإعادة تصنيعها دون حسيب أو رقيب.

– الهراويين… بؤرة للنشاطات الإجرامية المتطورة

الأمر لم يتوقف عند حدود البلاستيك، إذ كشفت مصادر متطابقة أن منطقة الهراويين تشهد نشاطاً مشبوهاً أكثر تعقيداً، يتمثل في تحويل وتدوير المعادن ذات مصدر مشبوه.

مستودعات غير قانونية تتخفى وراء واجهات تجارية أو صناعية، لكنها في الواقع مراكز لتجميع وتذويب معادن مسروقة — بعضها تعود ملكيته لمؤسسات عمومية وشركات خاصة كانت قد أبلغت عن فقدانها في ظروف غامضة.

– تداعيات اقتصادية وأمنية

تكشف هذه العمليات عن تحدي مزدوج تواجهه الدولة من جهة، حول تفشي ظاهرة سرقة ممتلكات الأفراد والمؤسسات، ومن جهة أخرى، وجود منظومة صناعية غير شرعية تستفيد من هذه المسروقات وتُدخلها في دورة إنتاج وتوزيع موازية، كل هذه الأنشطة لا تقتصر أضرارها على الخسائر المادية فقط، بل تسهم أيضاً في ترسيخ الجريمة المنظّمة وتقويض ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال.

– التحقيقات مستمرة… والسلطات تتعهد بالحسم معها

لا تزال السلطات الأمنية تواصل التحقيقات لتحديد حجم الامتدادات الفعلية لهذه الشبكات، وتوقيف جميع المتورطين فيها، سواء من القائمين على هذه المصانع أو من المزودين بالمواد المسروقة، وتشير المعطيات الأولية إلى أن هذه الشبكات تتسم بالتنظيم العالي والانخراط في أنشطة إجرامية متشعبة قد تمتد لتشمل تبييض الأموال وتهريب المواد.

ما جرى اكتشافه في الدار البيضاء ليس حالة معزولة، بل مؤشر على ضرورة إعادة النظر في طرق مراقبة الأنشطة الصناعية غير النظامية، والتصدي الجاد لاقتصاد الظل، الذي لا يقل خطراً عن التهديدات الأمنية الكلاسيكية.

و تكشف هذه الواقعة أن تفكيك شبكات الجريمة الاقتصادية لم يعد مجرد مهمة أمنية، بل ضرورة وطنية لحماية الاقتصاد، وإعادة ضبط التوازن بين ما هو قانوني وما هو متفلت من كل رقابة. الأمر يتطلب أكثر من تدخل أمني ظرفي، بل إصلاحات شاملة في الرقابة الصناعية، وتتبع مصادر المواد الأولية، وربطها بمنظومة رقمية تكشف أي حلقة مفقودة في سلسلة التوريد.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى