
حين يصمت العالم… محاكمة صنصال تكشف نفاق المنظومة الحقوقية الدولية
هبة بريس-يوسف أقضاض
في مرحلة تتسم بازدواجية صارخة في مواقف المنظمات الحقوقية الدولية، يواجه الفكر الحر في الجزائر محنة جديدة تكشف حجم الانهيار الأخلاقي في مواقف من يفترض أنهم مدافعون عن حرية التعبير.
ففي مشهد صادم يعكس هشاشة حقوق الإنسان في البلاد، أيد مجلس قضاء الجزائر حكمًا بالسجن خمس سنوات نافذة وغرامة مالية بحق الكاتب والمفكر الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، فقط لأنه تجرأ على التعبير عن رأيه في قضايا فكرية وتاريخية تخص الشأن الوطني.
محاكمة صنصال لم تكشف فقط الوجه الديكتاتوري للنظام الجزائري، بل عرّت أيضًا الصمت المريب من جانب المنظمات الحقوقية الدولية الكبرى مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ومراسلون بلا حدود، التي لطالما نصّبت نفسها وصية على أخلاقيات الأنظمة والشعوب، لكنها اليوم تكتفي بدور المتفرّج أمام قمع نظام عسكري يسجن كاتبًا بسبب رأيه.
فأين تلك البيانات النارية التي تصدرها هذه الهيئات عند كل حادثة مشابهة في بلدان أخرى؟
أين هي الإدانات العاجلة، والندوات العلنية، والمطالبات بالإفراج الفوري؟
لماذا تُخرس هذه الآليات حين يتعلق الأمر بالجزائر؟
صمت دولي يشرعن القمع… والمصالح تسبق المبادئ
إن هذا الصمت يضع علامات استفهام خطيرة حول تحوّل المبادئ الحقوقية إلى أدوات انتقائية تُفعَّل في منطقة وتُعطَّل في أخرى، وفق ما تمليه المصالح الجيوسياسية والصفقات الدبلوماسية.
وبينما يمعن “نظام الكابرانات” في الجزائر في قمع الحريات وسَجن المثقفين وإسكات الصحفيين، لا يصدر عن تلك الهيئات الدولية أي موقف صريح أو ضغط حقيقي، ما يدفع إلى التساؤل:
هل أصبح هذا النظام مستفيدًا من صفقات شراء الصمت الدولي؟
وهل تحوّلت هذه المنظمات من منابر دفاع إلى شركاء بالصمت في الجريمة؟
بوعلام صنصال لم يرتكب جرمًا سوى أنه كتب بجرأة، وقال ما لا يريد النظام سماعه. وما جاء في لائحة الاتهام من تهم، مثل “المساس بوحدة الوطن”، و”الإضرار بالاقتصاد الوطني”، ليست سوى قناع قانوني لتمرير قمع سياسي ممنهج.
مصادرة محجوزاته، ومنع أي صفة “رعاية” عن منشوراته، والقبول السريع بتأسيس الخزينة العمومية طرفًا مدنيًا، تؤكد أن القضاء الجزائري فقد استقلاليته، وتحول إلى أداة ترهيب.
قضية بوعلام صنصال ليست استثناءً، بل علامة فارقة في مسار تراجع الحريات في الجزائر. لكنها في الوقت ذاته صفعة لكل من يدّعي الدفاع عن حرية التعبير ثم يصمت حين تُهان.
إن صمت المنظمات الدولية ليس فقط تقاعسًا، بل تواطؤٌ ضمني يُشرعن الاستبداد ويقوّض مصداقية العمل الحقوقي العالمي.
وفي المقابل، فإن بقاء صوت صنصال حيًّا في ذاكرة المثقفين والأحرار، يُذكّر بأن الكلمة الحرة، وإن سُجنت، تظل قادرة على فضح الظلم وزلزلة عروش الطغيان لدى الكابرانات في الجزائر.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X